أبناء نصرة الحقيقيين
على الرغم من ثقتي الكبيرة بعدالة القضاء الكويتي وسيره على النهج الإسلامي والذي لا يرقى إلى مستواه نهج ، إلا أنني أضع احتمالا للخطأ في الكفة الأخرى . والخطأ الذي أحوم حوله هو التيقن من نية القاتل إن كان قد تعمد القتل أم أنه قد تعمد أمرا اجراميا آخر لا يصل إلى مستوى القتل لا من قريب ولا من بعيد ، فلا يمكن لأحد أن يتيقن من النوايا إلا الله سبحانه وتعالى ، فيا أعزائي المكلومين ، أهالي الضحايا الأبرياء ، الذين هدرت دماؤهم من باطن الفرحة والبهجة ، مرتدين أجمل الثياب ويحملون في قلوبهم أرق المشاعر وأنقاها . وها قد قضوا وانتهوا عند بارئهم كما سننتهي من بعدهم عاجلا أم آجلا . لقد غادر من بين أحضانكم أشخاص لا يقدرون عندكم لا بالذهب ولا بالمال ولا بكنوز الأرض جميعا ، وها أنتم تتجرعون يوميا لوعة الفراق والحرمان ، فما الذي قد يكون بأشد وأقسى مما حل بكم ! ولكن أحبائي الكرام انظروا معي إلى المستقبل لثوان ، فهذه المجرمة التي تدعى نصرة ، لديها أم وأبناء ، فما أشده عليهم من مصاب ، صغار يتضورون جوعا لأحضان أمهم ، وقد آل بهم المآل لرؤية أغلى حبيبة لديهم معلقة من رقبتها بواسطة حبل الفراق . وأم تولول من لوعة فراق ابنتها التي حملتها بين كفيها منذ أن كانت لا تزن شيئا حتى كبرت وصارت زوجة وأم . لا يا أعزائي تأبى المروءة أن نصمت ، اوقفوا التفكير بالمجرم وألقوا بنظرة أمل إلى حال الصغار المكلومين مثلكم تماما ، هناك فرق شاسع بين أن تموت "نصرة" ، وبين أن تبقى سجينة إلى الأبد فيكون باستطاعة أبنائها أن يروها ويكلموها وأن لا يحرموا منها نهائيا ، فهي أمهم في النهاية وأشد من سيحبهم ويعطيهم مشاعر لا يمكن لأي أحد كان أن يعوضهم عنها ، حتى ولو كانت من وراء القضبان ، ومدى الحياة ! لا تزهقوا روح نصرة ، ولكن انصروا الرحمة التي في قلوبكم و أرأفوا بحال الصغار ، وليضع كل منكم نفسه مكان أحد أبناء نصرة ، حين يرى وسيرى وسيعلم أن أمه قد رحلت عنه إلى الأبد ، وأنه لن ولن يتمكن مهما فعل من أن يقول كلمة "ماما" . أستحلفكم بالله أن تفعلوا بها ما شئتم ولكن لا تزهقوها ، وتذكروا معي الآية الكريمة "فمن عفا وأصلح فأجره على الله" ، وآية أخرى : "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" سورة النساء (92) . إن المجرمة نصرة امرأة شديدة الغيرة والاندفاع ، وقد رأت من زوجها نكرانا شديدا في مقابل مشاعرها الفياضة نحوه ، حيث أن قلبه المحب قد تحول عنها إلى امرأة أخرى ، وأن مشاعره التي كانت تغمرها بالحب باتت تحتضر . فلم تتمالك نفسها وعجزت عن الإتيان بقلبه وقررت وبمحاولة يائسة أن تدمر فرحة زواجه وتوهمه بأنها قادرة على إيذائه ، ولم تجد سبيلا إلا بإضرام النار ، ومن يستطيع أن يقول وأن يجزم وأن يقسم بأن نصرة كانت تعلم أن النار ستشتعل سريعا وأن الخيمة ستنهار على رؤوس الموجودين ! إنها جريمة عظمى عن غير عمد ، ككبسة زر أقوم بها عن طريق الخطأ فأسقط طائرة تحمل مئات الركاب على متنها ، فلا أنا أحمل نية قتلهم ، ولست أيضا ببريئة من أرواحهم ! خليط يحمل سوء التصرف وحسن النية أو بالأحرى براءتها من فعل القتل ، فهل يكون الجزاء في هذه الحالة هو الإعدام ؟! نحن نعلم جميعا بأن لكل منا أجل مكتوب عند الله تعالى ، والموت والحياة ليس بأيدينا ، ولكنني في الختام أوجه كلمة ورجاء ساخن إلى جميع أطراف القضية ، فأناشد قلوب القضاة بأن يرحموا أمها وصغارها من ويلات فراق الموت ، وكفى بالله شهيدا على من يرحم ضعيفا لا حول له ولا قوة ، وكلمة بصوت جريح لأهالي القتلى الأبرياء أن اصبروا وجاهدوا واحتسبوا ، فالله لا يضيع أجر عذابكم وصبركم ، فما من شئ في السماوات والأرض وفي أنفسكم إلا حاضر عند الله في الميزان الأعظم . فاعفوا ، وأبشروا بنعمة من الله عليكم وفضل عظيم ، ولمسة حنان على وجوه أبناء نصرة ، تلك الوجوه الصغيرة الناعمة والتي تحمل قلبا مفجوعا باكيا وأنينا يعصر قلوبنا ويفجر من أعيننا أنهارا ، ونظرة صامته حائرة إلى عيني أم نصرة ، ودعاء من خالص القلب أن يتم إيقاف إعدام نصرة ، مع تطبيق أشد عقوبة عليها دون الإعدام ، وإليك يا نصرة أن أكثري من الإستغفار والتوسل إلى الله عزوجل ، عسى الله أن يغفر لك ما اقترفتيه بحق الضحايا وأهليهم ، فتوبة نصوح ، وأسأل الله أن يرحمنا جميعا برحمته الواسعة وأن نكون في مصاف أهل التقوى والصلاح ، وأن نحيا حياتنا الثانية والأخيرة في جنان الخلد والنعيم .
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية ورقيا فقط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق