عندما نحتاج إلى الأكسجين فإننا نقوم باستنشاقه تلقائيا، وعندما نحتاج إلى الطعام فإننا نبحث عنه حولنا، وعندما نريد الحصول على المزيد من الأموال فإننا نبدأ بالتخطيط للالتحاق بالوظائف وإقامة المشاريع. فما الذي تحتاج إليه المطلقة حتى تشعر بالسلام والتوافق والأمن الاجتماعي، وكيف يتسنى لها تحقيق هذا الهدف. لقد اعتاد الناس في مجتمعاتنا العربية على توجيه مقدار عال من السخط إلى المطلقة، وهذا السخط هو خليط من الغضب واللوم والعتب والرفض والامتهان. فمن أين جاء هذا التوجه البدائي الغجري، وكيف نقبل -ونحن نواكب هذه الحقبة العلمية المتقدمة سواء على المستوى المادي أو الفكري- باستمرار هذا النهج المتخلف في بيئاتنا المجتمعية! إن المطلقة بتعريفي الشخصي هي المرأة التي تم انتهاء عقد التزامها أو إلزامها بكافة الحقوق والواجبات حيال طليقها سواء كان ذلك برغبة منها أو دون رغبتها. وكما نجد أن التعريف سهل وبسيط، ويدل على يسر وسماحة ديننا الإسلامي الذي شرع لنا الطلاق بالرغم من جعله أبغض الحلال. فلماذا يقوم البعض بتوجيه سهام السخط أو الريبة نحو المطلقة.. وكأنها عصفور بلا أجنحة يتنافس الأطفال على تعذيبها أو تقييد حريتها لمجرد أنها امرأة ضعيفة ومرهفة الإحساس والشعور. لقد سئمنا فشل المجتمعات العربية في تحقيق المستوى الفكري والنفسي المطلوب والمنتظر طويلا، ولقد آن الأوان للبدء بوضع مخططات واضحة لحركة التغيير -النفسي الفكري- الإسلامية والعربية، إن المطلقة هي في النهاية إنسان يخطئ ويصيب، ولكن من المستحيل اكتشاف العلة الحقيقية من وراء حدوث الطلاق، فحتى الطليقين قد يكونان على جهل بالأسباب الخفية والدوافع الحقيقية لحدوث الطلاق، ليتم إيجازه في النهاية بكلمة «عدم تناسب» أو «قسمة ونصيب».. فمن أخطر المسائل الفكرية أن يتم إلقاء اللوم على المرأة لكونها الطرف الأضعف والأيسر للامتهان. وإنما لا يوجد أي داع لمحاولة اكتشاف «المجرم الحقيقي» في العلاقة، فالله سبحانه وتعالى هو من لديه وحده الموازين الدقيقة لكل عمل قام به الإنسان سواء بشكل مطلق أو كنتيجة لجميع ظروفه المحيطة به منذ ولادته وحتى هذه اللحظة، والتي من المستحيل أن يلم بها أي إنسان آخر وربما حتى الشخص نفسه. فيا عزيزتي المطلقة، لا تكوني منكسرة مهزومة ومرتابة كمن أذنب ذنبا لا يغتفر.. ولا تكلفي نفسك جهد التخفي أو إخفاء كونك مطلقة، بل خالطي الناس وأخبري جميع المحيطين بك بأنك مطلقة، مع قدر عال من الثقة بالنفس، وابتسامة طبيعية تشد الوجنتين، ورضا حقيقي بما قسمه الله تعالى لك، وستشعرين بقمة السكينة والانشراح، ومن منا أيها البشر غير مبتلى بمصائب خلال رحلة حياته.. جميعنا نمر بالأحزان، ومن ثم تغزونا الأفراح.. وبين لحظات الحزن والفرح يجب علينا أن لا نضل الطريق.. فابتهجي، وتزوجي مرة أخرى ولا تستسلمي أبدا، فالحياة مدرسة فيها نجاح ورسوب، فإما نجاح من بعد رسوب، أو رسوب يتبعه رسوب. فكل شيء يمكننا إصلاحه أو تدميره مادمنا أحياء، والجميل في الأمر أن القلوب مهما تهشمت فإنها تولد من جديد عندما تنسى الأحزان وتبتسم للمستقبل. فلا للنظر إلى الوراء والانغماس في الذكريات الأليمة ولا للخوف من الحاضر ونبذ التغيير، ولا لليأس من المستقبل والارتماء «كجثة هامدة» على قارعة الطريق.
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية :
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=1973
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق