لا يخفى على أحد هذا المصطلح الشهير «سكّ.نهم مساكنهم» الذي يعبّر عن خروج الجن من مسكنه، ورغبة الإنس في إعادته إليه، خوفا منه وليس عليه طبعا. ولا يخفى عليّ أنا شخصيا خبر خروج البعض منهم من مسكنه، وأحيطكم علما بأنه في حالة عدم عودتهم، قد يزداد عدد ضحايا المس والصرع والهستيريا.
وسوف أمحور حديثي حول مذيعات الجن، فهن أحق من غيرهن بالذكر، وذلك طبعا بسبب الصيت الواسع والفرق الشاسع بينهن وبين أي مذيعة عادية لا ترقى إلى مستواهن في الإخافة والتخريع كجنيات محترفات.
ويمكننا تقسيم المذيعات إلى نوعين: مذيعة تريد الإفادة، ومذيعة تريد الإبادة. الأولى منهجها واضح، سواء أكانت جنية أم إنسية، فهي مذيعة أرادت إيصال فكر معين الى الآخرين من خلال التواصل الإعلامي وإعداد البرامج الهادفة والمختارة بعناية، ولا يضرها إن كانت تطمح الى الشهرة من منطلق تحقيق القدوة الإيجابية ونشر الثقافة المفقودة.. لكن الحديث شيّق ولا ينتهي عندما نتطرق إلى قصص الرعب، فنحن في الغالب نحب قصص الرعب والإثارة، ومن هذا المنطلق تبدأ قصة مذيعات الإبادة. فمتى تحدث الإبادة؟ وكيف؟
عزيزي المواطن الحر الأبي الخائف على حياته ومصير أبنائه، تحدث الإبادة أحيانا عندما تفتح التلفاز بكل سلامة نية، وعلى حين غرة، فتجد مذيعة من عالم الجن، شديدة القبح، تتحدث وعلى وجهها طن من الأصباغ. وقد تضحك فجأة وقد لا تفعل، وقد تبتسم للكاميرا فتبرز أنيابها لتصرعك على الفور. وقد يكون طفلك حاضرا فيرى ما قد يجعله يعاني من صعوبة في النوم أو التنفس أو كليهما. فاحذر أيها المواطن العفيف الطاهر وأنت تفتح التلفاز، فقد تجد ما لا يسرك من مظهر وجوهر يرعبك ويخدش حياءك.
طبعا لم يعد هذا السلوك الشيطاني حكرا على إناث الجن فقط، بل إن المرض النفسي تفشى في إناث الإنس أيضا، فتجد المذيعة منهن اتصلت بصبّاغ محترف من خلال إحدى الجرائد الإعلانية وأحضرته إلى منزلها ليصبغ لها حجرتها ويصبغها هي أيضا مرة واحدة بسعر الجملة، وذلك لأن الأصباغ لم تعد تقتصر على الوجه والرقبة فقط، بل إنه طلاء كامل لقهر العواذل. أولا يستحق هذا الصبّاغ جائزة نوبل على فنه في تحسين حالة كان ميئوسا منها قبل وصوله بوانيته الخاص بدقائق معدودة!
لكن لا يزال مسلسل الرعب مستمرا، ولا يزال الكثير من المذيعات يعشقن شخصية «مهرج السيرك» منذ نعومة أظفارهن، ولم يتمكنّ من نسيانه أو إزالة تأثير شخصيته المحببة من أدمغتهن، فسلكن مسلكه، لكن مع الأسف لم يفلحن في الحصول على أنفه الأحمر لأنه لا يباع في أسواقنا إلا التقليد منه.ولو أن متبرعا طيبا وكريما جلب لهن كارتونا مستوردا، فيه مجموعة من الأنوف الحمراء الأصلية، لشكرنه جزيل الشكر، وللبسن الأنف الأحمر في كل مناسبة ومحفل، إنه الولاء لأحد أصدقاء الطفولة.
ولست لألومهن على ذلك البتة.. المهم، لن أغتاب بابا نويل الآن ولكن سأبقى في سياقي نفسه. فقد رأيتها (بالصدفة) وأنا مختبئة في منزلها بالصدفة أيضا، إنها إحداهن.. تنظر إلى المرآة السحرية وتسألها عن أجمل امرأة في الكون كله بلهجة «المياعة المفتعلة» المتفشية لدينا، حتى بصقت المرآة في وجهها، فنظرت إليها نظرة غضب حتى أن المرآة اغمي عليها من شدة الخوف.
وبعد ساعة من محاولة إنعاش المرآة بكل العطور العفنة التي تملك، استيقظت المرآة وهي مستلقية على سرير المذيعة الموحشة، فطلت القبيحة بوجهها لترعبها مرة أخرى وسألتها: مرآتي العزيزة.. من أجمل امرأة في الكون كله؟
فابتلعت المرآة ريقها على عجالة وقالت: سيدتي.. أنت بالطبع الأجمل حتى الآن، ولم تظهر بعد من تنافسك.
فسألتها بخبث: وماذا عن فلانة؟ فقالت المرآة والحسرة تملأ قلبها: إنها فأرة، فتربعي على عرش الجمال وحدك.
وهنا اطمأنت وارتاح بالها وقلبها، وعادت إلى الاستديو والسعادة تملأ قلبها.
لكن في الاستديو حدث ما لا تحمد عقباه، فقد طردت من العمل بسبب الاضطراب النفسي الذي تعانيه والذي ليس له علاقة بالعمل كمذيعة ناجحة ومحترمة، فقررت الانتحار على نهج وخطى مارلين مونرو، وانتحرت وانتهى أحد مسلسلات الرعب والغثيان، لنبدأ عصرا جديدا، عصرا نسعى فيه لأن يحظى كل مذيع بالاحترام، حينها فقط سيجدون مشاعرنا طيبة وصادقة معهم لأن وجوههم واضحة، وأساليبهم عفوية، وشخصياتهم سويّة، ونفوسهم مليئة بالتواضع والنقاء.
النسخة المنشورة في جريدة القبس :
http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=590429&date=31032010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق