في جميع ميادين الحياة يمكننا قياس درجة التطور والرقي ، فالتطور ليس فقط ببناء منزل الكتروني ، أو باختراع سيارة تسير عن طريق التخاطر، أو بسلة مهملات تلحق بك -أينما تذهب- حتى لا ترمي القاذورات على الأرض ! وإنما التطور يشمل جميع نظم الحياة البشرية ، فأسلوب التعامل مع الأشياء والأشخاص والقيم والنظم هو المقدمة الحقيقية لبناء حضارة متطورة في شتى المجالات بما فيها المجال التكنولوجي العظيم . ويمكننا أن نقول بأن التطور هو إحداث تغيير إيجابي ومرغوب يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التغييرات المشابهة . أما عن نوع التطوير الذي أرغب بالحديث عنه فهو الخاص بساعات العمل الرسمية في القطاعات الحكومية . ولربما كان من الصعب تحقيق ذلك ولكنني أظن بأن هذا التغيير سيحدث نقلة هائلة للمجتمع على كل من المستوى الوظيفي و الأسري والاجتماعي ، إن ساعات العمل الرسمية "الست" لم تعد تواكب هذه الحقبة الزمنية وخصوصا بالنسبة للمرأة . فالمرأة نصف المجتمع ولا يجب أن تهمش وظيفيا ، وبنفس الوقت لا يمكن أن تحمّل فوق طاقتها لمجرد مساواتها مع الرجل ! فالرجل لا تقع على عاتقه مسئوليات المرأة الفطرية نحو أبنائها منذ لحظة تخلقهم ، وما تعانيه حينها من عثيان وآلام وإرهاق وأرق حتى لحظة ولادتهم فتنتقل مع تلك اللحظة إلى حقبة جديدة من الجهد الجبار والمتواصل ، بيد أنها نفس الإنسان المفوض بكافة أعمال المنزل من ترتيب وتنظيف وطهي وإشراف كلي على كافة الشئون المنزلية ! هذا هو واقع الحال –مع الأسف الشديد- في أغلب البيوت . وبالرغم من وجود الخدم فلا يمكن إبعاد المرأة عن ميدانها الحقيقي لتبقى غائبة عنه لستة ساعات متواصلة حيث يكون الإشراف الرئيسي للخادمة وهذا أمر سيء للغاية . إن اقتراحي الذي سأذكره سيستمر بالمساواة بين الرجل والمرأة ولكن في إطار أكثر مرونة ، وهذه المرونة هي معيار التطور الفكري عند المجتمعات وهي الحالة المعاكسة للتصلب الفكري . فلو قسمنا ساعات العمل اليومية إلى فترتين ، وكل فترة تحتوي على أربعة ساعات متواصلة ، الفترة الأولى من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية عشر ظهرا ، والفترة الثانية من الساعة الثانية عشر ظهرا وحتى الساعة الرابعة عصرا ، ولكل شخص أن يختار -عن طريق عقد العمل- إن كان يريد العمل في الفترة الأولى أم الثانية أم لفترتين متتاليتين فيكون له ضعف راتب من يعمل لفترة واحدة . هنالك الكثير من الفئات التي لا تستطيع العمل لمدة ستة ساعات متواصلة كالمرضى وبعض المعاقين والحوامل ومن يتكبدون مسئوليات شاقة كرعاية ذويهم من المسنين أو أطفالهم الرضع ، والكثير من الظروف والأحوال القاهرة التي قهرتها الساعات الستة المتواصلة وأرغمتها على التكيف معها . إن هذا الاقتراح سيعيد إلى الكثيرين الشعور بحب العمل والرغبة في الإنجاز ، وسيقلل من البطالة بشكل كبير ، فالوظائف ستنقسم إلى فترتين وسيزداد عدد فرص التوظيف ، وستتمكن النساء من الاهتمام بصغارهن وإعداد الطعام بأنفسهن لأزواج "يئسوا" من طبخ الخادمة ، وسيعم الانشراح النفسي في أجواء المنزل من ناحية والعمل من ناحية أخرى بدلا من الوجوه الكئيبة الشاحبة التي "تطلطل" على الساعة كل خمسة دقائق منتظرة لحظة انتهاء الدوام الرسمي أو "الهده" كما كنا نشعر عند انتهاء الدوام المدرسي فنتدافع نحو بوابة المدرسة كالهاربين من فم الموت ! ناهيك عن أن الكثير من الوظائف الرسمية لا تحتاج إلى ستة ساعات من العمل فغالبا تكون الثلاث ساعات الأخيرة مخصصة ل "السوالف" و"الجيمز" أو أي أسلوب يمكنه قتل الوقت الذي يمر على الموظف كحد السيف على الرقبة . ويمكن أن يطبق النظام نفسه على المدارس حسب المراحل الدراسية أو حسب جدول الحصص الأسبوعي . قد يبدو التغيير في بدايته شاق ومكلف من حيث الوقت والمجهود .. ولكنه في النهاية سيأتي بثمار طيبة تعود على الجميع . فلا يوجد تطوير من غير جهد ، ولنسابق الحضارات أولا في تحقيق أعلى مستويات التوازن والانسجام المعيشي ولندع التفكير ببناء الناطحات وصنع الصواريخ خطوة تالية .
نشر في جريدة الكويتية الإخبارية :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق