عندما نعيش في هذه الحياة لسنوات طويلة فإننا نتعلم الكثير من الأمور ، ولكن بعض الخبرات القيمة يرفض الغالبية تعلمها ، فالجميع يتعلمون منذ طفولتهم الأكل والشرب واللعب وإقامة العلاقات الاجتماعية ، وبعد ذلك هم على استعداد لتعلم الحقائق العلمية ، وبعد سنوات أخرى قد يتعلمون الكثير من الأمور النفسية كالحب والتفاؤل والسعادة إضافة إلى القلق والإحباط واليأس .. إذا ما الذي ينقصهم تعلمه ! لعل قمة الجهل في الإنسان تكمن في الغفلة والنسيان .. فقد أنسته الحياة أن يتفكر في ذاته ، ليته يستطيع –لبعض الوقت- أن يتجرد منها ، فلينظر إلى جسده الفاني من أين أتى ، وما ماهيته الأصلية ، وكيف صنعت وتآلفت جميع مكوناته بكل تفاصيلها الدقيقة ، بل وكيف تجري جميع العمليات الحيوية فيه ! لماذا جاء .. وإلى أين سيعود .. وكيف هي طريقة محاسبته على ما اقترفه في حياته من ظلم للآخرين ، وما هو جزاؤه على أعمال الخير التي قام بها .. وكيف له مشاعر وقلب متقلب فقد يحبك أول النهار ويمسي وهو يكرهك .. فلديه كم هائل من المشاعر الغامضة والمتناقضة ، ولديه عقل يفكر ويدبر ويخطط ويحسب ويرصد .. يسأل نفسه أحيانا إن كان على حق أو باطل .. يحتار في الآخرين ان كان يحبهم أو يكرههم ، رب كلمة أو همسة أو لمسة قادرة على تغيير مسار حياته المتبقية ، يخشى الموت ، وهو مجرد ضيف على الحياة .. فإن قالوا لك انه مجرد صدفة فقل وهل تتشكل الصدف بهذه الدقة ، وإن قالوا لك تناسخ أرواح فقل لهم وكيف بدأ هذا التناسخ ! .. إنما الحقيقة تكمن في إجابة واحدة هي التي ستريح عقولنا وقلوبنا وضمائرنا ، وهي ما ينقصنا تعلمه .. أن هنالك خالق واحد هو "الله" سبحانه وتعالى .. خلقنا لغاية وسنعود إليه بعد وقت قصير نسبيا ، هذا الرب والإله له كل المملك والعزة والقدرة ، فان كنت تظن بأنك ثري وصاحب ملك فإنك تعيش في ملكه سبحانه ، وان كنت تظن بأنك عزيز نفس فانه سيذلك متى شاء ، وأما إن كنت تظن بان لك قدرات هائلة فإنما أنت كمن يحمل مصباحا ليضاهي به الشمس التي خلقها الله ! إن الجمال لله وحده وكل عبد مهما كان جماله فهو قبيح عند مقارنته بجمال الله سبحانه وتعالى ، فما بالك لو تعمد عصيانه فما أقبحه ؟! فإذا سئلت عن دين هذا الخالق فدينه الإسلام ، دين يطلب من العبد الاستسلام لأوامر خالقه دون استعلاء وكبر ، فمن حق الخالق على المخلوق أن يستسلم له –طوعا أو كرها- وأن يبجله .. فهو بكل ذرة فيه ملك له . ولعل من يتفكر في هذه الحقائق الجلية ويعمل بها أن ينال رضا الله -سبحانه وتعالى- عنه ، وان يفوز بما خسره أغلب الناس .. وهو النعيم في الدارين الدنيا والآخرة .. وهذا من أعظم ما ينقصنا أن نتفكر فيه .
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق