عزيزي القارئ، هل صحوت اليوم في الصباح؟ بالطبع صحوت –ولله الحمد - وإلا لكانت الكؤوس والفؤوس تتطاير من حولك. ولكن السؤال الأهم: ماذا فعلت فور استيقاظك أي عندما أشرقت عيناك «المنكمشتان»؟ هل ابتسمت فور تذكرك أنك تعيش حياة قرمزية؟
فأبواك لايزالان يحفانك بعطفهما، وأموالك لا تزال في جيبك، وزوجتك «تدلل فيك» مع أن هذا قد جعل منك «نمرودا»، وياسلام على ميري المبرمجة الجالسة في المطبخ لخدمتكم، وأبناؤك يمرحون بصحة وعافية، ماشاء الله عليهم «تخاتيخ»، والسيارة تبرق في الكراج كأنها فستان عروس، وملابسك مكوية مطوية، وافطارك المتواضع بوفيه خمس نجوم، وعائلتك في انتظارك، فما إن خرجت من الغرفة حتى قفز الكل ليحتضنك ويبارك لك الاستيقاظ المبكر، مع قذائف من «الترتر واللماعي» تنزل على رأسك بلا هوادة.
تذهب إلى غرفة الطعام والوفود من خلفك، تجلس فيجلسون، تتنحنح فيمدون إليك -وبلمح البصر- مناديل التعاون، أقصد المناديل المحلية، فتأخذ أحدها بعنفوان وتقول للبقية «هارد لك».
وأثناء الطعام لا أحد يجرؤ على التنفس، فالكل يضع أنبوبة أوكسجين ليتم التنفس من دون صوت، حتى لا ينزعج التنين الذي يعيش فيك ويخرج. أما عيناك فلا تزالان منتفختين وبحالة تحفز وتقلب وانقباض.
وبعد أن تنتهي من الطعام تمسح وجهك بالمنديل، فينتفض الوفد واقفا مع تحية عسكرية، فتنظر إليهم بازدراء وتذهب لتلبس ملابس الغوص، أقصد الدوام. وهذا يلبّسك «المكسّر» وهذاك يلبّسك «الدلاقات» وأنت تتولى أمر «الدشداشة» لأنه لا أحد في البيت بارتفاعك، فلربما أم خالد تستطيع أن تجلب السلم لتتمكن من إسقاط الدشداشة عليك بدلا من اسقاط القروض. والصغير يفرشي لك أسنانك وهو واقف يتأرجح على المغسلة، والخادمة ترش ماء الورد وتدور بالبخور كأنها ساحرة تقليدية محترفة.
وما إن تصبح جاهزا والجريدة مطوية تحت إبطك، حتى تسمع جميع الأغاني الوطنية والرومانسية والحزينة التي كادت تميّل قلبك لولا أنك قرصت نفسك لتثقل، وما إن تعبر «باب المندب» حتى تسمع العويل والنحيب، فتلتفت إليهم التفاتة المحارب، وتنظر إليهم نظرة تقول فيها: سنلتقي يوما ما.
وما إن تذهب وتركب المركبة المتلألئة وتنطلق كالحوت، حتى تتغير إذاعة الاغاني 180 درجة، فلو كنت حاضرا العرس الذي تلا المأتم لتأكدت من قيمتك الحقيقية، فـ«جاندرا وشانتي» ترقصان والصغار يلعبون «صيده مصيده» وام خالد رافعة يدها الى السماء ولا أحد يعلم ماذا تقول.
الله يسامح الأشرار، عديمو المنفعة، ناكرو الجميل «البطرانين»، هكذا كنت لتقول لو أنك رأيت فرحتهم بزوالك من على سطح كوكبهم.
ماذا فعلت لهم ليكونوا بكل هذه الدناءة؟ هل كنت خشنا و«جلفا» في التعامل معهم؟
لماذا كنت خشنا ومتصلبا ومتعنترا ومتغطرسا و«متعنطزا» عليهم؟ أليسوا أهلك؟ أهل بيتك وأقرب الناس إليك؟ زهقان تعبان نعسان طفشان عطشان.. هذه ليست مبررات لنفسيتك الكريهة.
احمهم بعطفك وحنانك، اجلس معهم وتودد إليهم، فأنت بالنسبة لهم أكبر مدرسة. ابتسم لهم وضمهم إليك، عار عليك كل هذا النعيم الذي تعيش فيه إن لم يكن لك قلب يفيض بالحب والعطاء.
امسح على رأس زوجتك وأطعم صغيرك بيديك، تحدث أحيانا فيما لا يهمك، عوّد نفسك على التضحية، على الأقل ستجد من يبتسم بوجهك حبا وإعجابا وليس خوفا ونفاقا.
النسخة المنشورة في جريدة القبس :
http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=551636&date=20112009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق