عندما أفكر في الخروج من المنزل –بسيارتي بالطبع- كما يفعل كل مواطن وبشكل يومي ، فإنني استعد للدخول في لعبة سباق السيارات في "السوني" أو "البلي ستيشن" كما تسميه الطبقة الراقية ، وأن النتيجة ستكون إما لصالحي أو "لطالحي" ، والعياذ بالله ، فأشغل "السلف" بكسر السين وضم اللام ، ومن ثم أنطلق في مضمار السباق ، وأتخيل –ولم لا أتخيل- أن الأقمار الصناعية تصورني ، وأن جمهوري فاق الملايين ، وأن فوزي "أي نجاحي" في السباق أمرا يهم جميع سكان الكرة الأرضية أو على الأقل "عشاق الجيمز" ، فأحاول أن أقود سيارتي بطريقة "أفلاطونية" أي مثالية ، وعندما أشاهد أحد الكاميرات المرورية المنتشرة في الشوارع فإنني أحرص على أن أكون مبتسمة ، وأن لا أنسى أبراز بريق النصر في عيناي ، المهم ، وبينما أنا في ميدان التحدي ومحاولة البقاء حيا وليس "حية" ، تجري من حولي أحداث بعضها طريف والآخر قد يكون مثيرا للشجن إلى أبعد الحدود ، فمن المواقف الطريفة التي تعترض لحظات المتعة التي أعيشها أثناء قيادتي لسيارتي العزيزة ، سيارة مسرعة قادمة من الخلف توشك أن تصطدم بي ، تضئ لي "الفلاشر" تلو الآخر حتى أتنحى جانبا وأترك لها حرية القيادة بسلام وبعيدا عن أجواء "السلاحف المرتعشة" -من وجهة نظرها طبعا- فيعتريني الغضب ، وأبقى صامدة لبعض الوقت لا أريد أن أتنحى كي لا أشعر بالهزيمة ، وكي لا أمكن "المصرقعين" وأصحاب السيارات الضخمة والوانيتات المرعبة من السيطرة على شوارعنا الحبيبة - مضحية بحياتي الرغيدة وبكل السلام الذي يعم العالم الإسلامي والعربي بأسره- فأصمد وأصمد وأصمد حتى يتنحى الديناصور الذي يحلق من ورائي أو أن أقرر بكامل إرادتي أن أتنحى ، وفي بعض الأحياء أصمد وأنا أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظني من شر المجنون الذي يقود سيارته خلفي ، وعموما أقول لهؤلاء المستهترين بأنهم مجموعة من السفهاء والحمقى ، ولو كان لديهم شئ من الخلق النبيل لما عرضوا حياة الناس للموت لمجرد اللهو بالدواسات والبحث عن كيانهم الضائع ورجولتهم المفقودة بطرق رخيصة وسهلة ، وعلى صعيد آخر "غير صعيدنا الذي نعرفه" ! يصادفني أحيانا في الطريق أحد النشطاء في جمعية "البتوين" العالمية ، والتي تهدف إلى نشر ثقافة "سرعة ودقة وانسجام" عبر نشطائها الموتى سلفا ، والذين قد قضوا نحبهم أثناء محاولة التأكيد على أهمية تحقيق هذا الشعار المبين أعلاه ، فبينما أنا مشغولة في سباق التحدي الذي أخوضه يوميا من أجل الفوز في المضمار ، أتوقف عن التفكير بنفسي فجأة ويبتعد عني حب الذات لبضع ثوان حيث أكون مذهولة كغيري من السيارات بسيارة تسير بسرعة الضوء متجاوزة جميع السيارات بحركة "الأفعى الزاحفة" حيث تكون قد سبقتنا جميعا بزحفها الفوضوي في أروقة الشوارع ، ومع الأسف فكثيرا ما تسبقنا إلى العالم الآخر ، حيث نرى جثثا مغطاة بالبياض ودما مسفوحا على قارعة الطريق ، والمرعب في الأمر أن سيارتنا السباقة لم تكن تعلم قبل ثوان قلائل بأنها تقوم بتوديع بقية السيارات بهذا الوداع الساخن ! والمهم لدينا الآن هو من سيبقى الفائز الأول في مضمار السباق ، من الذي سيتجاوز جميع السيارات دون أن يموت ، من هو الذي بإمكانه ان يحقق أعلى مستويات الاتزان ؟ قوانين الفوز في سباق السيارات –وكما هو في ألعاب الجيمز- ليست فقط أن تبقى على قيد الحياة ، بل أيضا أن لا تصيب أحدا بأذى وأن لا تصاب ، فيجب أن لا تؤلم رصيف ، أو تحطم شجرة ، أو ترعب طفلة ، أو "تلزم" فجأة ! بل يجب أن تسير برشاقة ونظام واتزان ، فضع نصب عينيك دائما وأبدا بأنك قدوة لنا ، وأننا جميعا قدوة لمن حولنا ، ولطالما أننا لا نستطيع أن نخرج من اللعبة مهما فعلنا ، إذا فلنلعب بإتقان . ولنترك لعبة اللهو بأرواح الآخرين جانبا ، متمنين أن لا يلهو الآخرون بأرواحنا ، وأن لا نرى على الزجاجة الامامية لسيارتنا الحبيبة عبارة "جيم أوفر"
منشور في الجريدة الكويتية الإخبارية ورقيا فقط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق