إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

أين كانت روحي .. ؟



كنت في حلبة المصارعة أنا والنوم ، لقد كان هذا المسيطر البغيض يصارعني حتى غلبني ، نمت وليتني لم أنم تلك النومة القهرية الجبرية ، نمت مكرهة وتحت تهديد السلاح كما يقولون ، فقد أجبرني النوم على أن أنام ، وهددني بأنني سأموت إن لم أنم ، فنمت .. و انتهت القصة .. لأنني عندما نمت لم أحلم بشئ ، ولم يحدث أي شئ مميز لأحكيه لكم ، فاستمريت في النوم لعدة ساعات ، حتى اقترب الفجر ، وقد عرفت بذلك لاحقا لأن الفجر قد أخبرني بنفسه بأنه اقترب ! وذلك يدل على أنني أخيرا قد استيقظت ، لكن أين المشكلة ؟! كلنا نستيقظ في وقت ما .. وفي مكان ما ، وهو ذلك المكان نفسه الذي نمنا فيه . ولكنني في هذه المرة قد استيقظت في مكان مختلف تماما ، مكان هادئ لا أعرفه ، يبدو كممر طويل وعريض جدا ، مصنوع من أحجار سوداء براقة ، مشيت من دون تخطيط لأنني شعرت بأنني يجب أن أمشي ، لا اسمع صوت شئ إلا صوت أقدامي ، وأشعر بأن هنالك ممرات مائية لها هدير خفي يحيط بالمكان ، لكنني لا أراها ، لا أستطيع أن أقول بأن المكان مظلم ، لكنه ليس مضيئا بكل تأكيد ، سرت سيرا طويلا لا يمكنني تقديره بالزمن الذي نعرفه ونعيشه ، سرت ربما لآلاف السنين .. وأخيرا .. ها أنا ذا أصل إلى شئ مختلف ، وهو نهاية الممر ، ولكنها نهاية مقطوعة ، فإذا مشيت لخطوة أخرى فسأهوي إلى حيث لا أتصور . توقفت بحيرة أتأمل من حولي ، فأدرت رأسي جهة اليمين ، فإذا بي أتفاجأ بحديقة خلابة رائعة الجمال أسطورية ، وبها أطفال يلعبون برقة مرتدين ملابس بيضاء وحلي عجيب ! وتساءلت في نفسي من هؤلاء ؟ وتمنيت لو أستطيع ان أكون في نفس المكان الذي يلعبون فيه ، بعدها شعرت بالرغبة الشديدة والفضول للنظر إلى الجهة الأخرى من الممر ، فلعلي أتعرف على المكان أكثر ، لكنني عندما نظرت هالني منظر نيران تلتهب من أمامي ، عالية حيث لا أرى لحجمها حد ، ورأيت أناس يحترقون بطريقة مرعبة لا تنتهي ، حينها شعرت بأنني يجب أن أتحقق مما رأيته على الجانب الأيمن مرة ثانية ، فالتفت بروية وقلق رهيب ، فإذا بي أرى الأطفال ثانية ، يلعبون في هدوء وسلام واطمئنان تام ، في مكان ساحر خلاب ، فالتفت بسرعة إلى اليسار لأرى النار العظيمة مجددا . لكن لا حيلة لدي لفعل أي شئ فالطريق مقطوع ولا يوجد أي مدخل لكلا الجانبين ، وكأن هناك زجاجا سميكا يحجب عني هذين العالمين وكل الأصوات التي تصدر منهما ، فاستدرت نحو الوراء لأرى ممري الطويل كيف هو الآن ، استدرت وليتني لم أستدر ، فقد رأيت عجوزا شمطاء قادمة من بعيد تسير بسرعة نحوي ، ووجهها ملئ بالغضب والجنون وهي تكرر بصوت عال مرتجف "اشيابج اهني" وقد أعادتها ثلاث مرات إلى أن كادت أن تصطدم بي ، وفي نفس تلك اللحظة وقبل أن تلامسني استيقظت ، فإذا بي راقدة على سريري أنتفض هلعا ، وشعرت بأن قلبي يدق بقوة كأجراس الكنائس ، لقد كان كل شئ حينها واقعي إلى أبعد الحدود ، لكنني الآن أنظر من حولي فلا أجد لا الأطفال ولا المحترقون ولا العجوز المرعبة ، وفجأة أتاني صوت أذان الفجر من الخارج وكأنه تعمد إخافتي ، فقد جعلني أقفز ذعرا حتى سالت بعض الدموع من عيني لشدة الانفعال ، مرت دقيقة من السكون خالية من العقل والمنطق والتفكير ، وبعدها قررت بأن أقوم لأصلي ، فتذكرت وأنا أسير وجه تلك العجوز القبيحة ، لقد كانت حقيقية جدا ، كم أكرهها ، شعرت للحظة بأنها صورة طبق الأصل من الدنيا التي نعيشها ، لقد أعادتني إليها رغما عن أنفي لأنه لم يحن وقت رحيلي بعد .. الحمدلله ، فلا يزال هنالك بعض الوقت لإعادة بعض الحسابات في حياتي ، توضأت .. وصليت ، ثم عدت إلى سريري وأنا أشعر برهبة كبيرة ، كنت أتمنى في قرارة نفسي لو كنت الآن ألهو مع أولئك الأطفال ، ثم عاد إلي من جديد يصارعني وأصارعه -النوم طبعا- ولكنه لا يزال أقوى مني بكثير ، يرغمني على فقدان ذاتي تماما لعدة ساعات ، ولا أدري أين يطير بروحي ووجداني ، بينما يبقي على الجزء الظاهر مني بين شهيق وزفير ، حتى يظن الناس وهم يروني نائمة ، بأنني موجودة فعلا في هذا الجسد النابض ، ويجهلون تماما بأنني أحلق بروحي وادراكي إلى ما يتخطى حدود هذا المكان والزمان .

منشور في جريدة الكويتية الإخبارية ورقيا فقط  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق