عندما كنت صغيرة ، كنت أرى العالم بألوان الزهور الرائعة ، كنت أعشق نفسي وأعشق كل شئ من حولي ، كنت صافية الذهن مستقرة البال ، وكانت السكينة تملأ كل كياني ، كنت أحب فعل الخير ، وأكره الشر بشدة ، كنت هالة من السعادة والحب والأمل ، كنت شعلة من النشاط والتفاعل والمرح . وفي يوم من الأيام ، عندما كبرت وبدأت أشعر بالحب والانجذاب نحو الشباب ، ظهر فجأة في حياتي شاب ، كان كجزء من حلم أو ومضة من صنع الخيال ، وقد قال لي أنه يحبني ، وأنه سيتزوجني ، وأنه لم ولن يعشق امرأة سواي ، وقد باعني الوهم ، وحاول شرائي بثمن بخس ، وعندما لم يتمكن من شرائي وتأكد بأنني لست بسلعة للبيع ، أخذ الوهم مني وأعطاني كأسا ، مددت يدي لأتذوق ما في الكأس ، فإذا به كأس الواقع المر ، تعرفه الكثيرات مثلي ، و يتجرعنه مكرهات لا راغبات ، وقد أجبرت على تجرعه كاملا ، حتى انني كدت أن أتقيأ من مرارته ، وظل هذا الوهم يطاردني ، أو ربما قلبي هو من يطارده ، وفي يوم لطيف وهادئ من بين الأيام الصاخبة ، التقيت به صدفة ، كان وحيدا ومثقلا بالهموم ، يجلس قريبا من البحر ، وكأنه كان يعلم بأنني قادمة إليه ، سألته : ماذا بك ؟ وتصوروا بأنه لم يلتفت إلي إطلاقا .. وإنما سارع إلى إجابتي قائلا : نااااااادم ، فأجبته وأنا أعلم حقيقة ما يقصده : وهل تستطيع إصلاح ما أفسدته ، أو استرجاع ما خسرته ؟ فقال لي : بالطبع ، والآن إن أردتي . فقلت له بصوت أثيري حزين : الآن بالذات لا أستطيع . وهنا التفت إلي بحزن ورآني أودعه بعيناي وأسير بعيدا عنه نحو رجل وسيم يقف في منتصف الطريق ، وعندما وصلت إليه أمسك بيدي بحرص وذهبنا معا ، إنه زوجي ، وفي الجانب الآخر من الطريق ينتظرني أبنائي الأعزاء ، أعلم أن حلمي القديم قد مر بتجربة حب وزواج فاشلة ، وأنه يتوق إلى استعادتي بعد أن فقد ثقتي ، وأعلم أيضا أن في الحياة فرص حينما ترحل عنا فإنها حتما لن تعود لإرضائنا ، ورسالتي إلى كل من يقرأ رسالتي ، أن يعلم بأن خسارة ملايين الدنانير أو حتى كنوز الأرض جميعا تعتبر هينة عندما تقارن بخسارة انسان ودود قد أحبك في يوم من الأيام لذاتك ، فقد يكون مخطئا في حبه لك ، وأن ذاتك لا تستحق أن تحب ، فاليوم قد تكون كل شئ بالنسبة لشخص ما ، وأما في الغد فقد تصبح بالنسبة له كالهباء المنثور ، ولذا فقد أصبحت حكمتي في الحياة "أنا الأمس لا أشبه أنا اليوم ، وأنا اليوم لن أشبه أنا الغد" وهكذا أحببت أن أحكي قصتي للجميع لعلها تكون سبب في اضفاء معنى أو اكتساب خبرة أو إيصال بهجة للآخرين .
ومع خالص تحياتي
سهيلة
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية ورقيا فقط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق