كثيرا ما راودتني فكرة إصلاح العالم وذلك منذ صغري –وهل العالم تلفاز محطم أو كأس مكسور مثلا- لعل هذا يدل على شخصيتي القيادية ، حقيقة لا أعرف ، ولكنني أحب التفكير في المستقبل كثيرا ، وأحب أن أحسب حساب الكثير من الأمور لدرجة تثير دهشة البعض وسخرية البعض الآخر ، فالبعض يحب أن يخطط لحياته ويعتبر ذلك نجاحا ودهاء ، أما البعض الآخر فهم من النوع الذي لا يحب أن يضيع جهده في شيء غير مضمون ، فالعمر غير مضمون وسائر العوامل التي من الممكن أن تدمر الخطط المستقبلية هي عوامل غير مضمونة أيضا ! المهم ، وأثناء ممارستي لرياضتي المفضلة وهي المشي ، ويا حبذا لو كان المكان يطل على طبيعة خلابة أو بحر .. بدأت أغوص في أعماق هذه الفكرة ، وسألت نفسي بحزم : ما الذي سأفعله لو حكمت العالم بأسره .. أي أن تصبح لدي سلطة بشرية مطلقة على الآخرين .. فهل أنا من النوع الذي إذا أعطيت سلطة وقوة بدأت بممارسات وحشية ضد الضعفاء ؟ أم أنني من النوع الساكن الذي يعتبر وجوده مثل عدمه ؟ أم أنني ذلك النوع الذي يسعى للتطوير الشامل والإصلاح مع وافر من الحس الإنساني والرحمة ؟ فلا تنسوا أن الإصلاح الحقيقي "الصادق" لا يجتمع مع القمع والقسوة . المهم .. سأبدأ بسرد استراتيجياتي الرئيسية التي سأعتمد عليها في إصلاح هذا العالم ، وهو أمر من المستحيل أن يتحقق ولكن لا ضير من ذكر تلك الإستراتيجيات .. أولا : سأقوم بإلغاء خريطة العالم القبيحة التي تقوم بتقسيم الدول بطريقة عشوائية مملة ، وحيث أن العالم بأسره سيكون دولة واحدة ولكنها مقسمة إلى مناطق متساوية في المساحات تماما . ثانيا : لكل مساحة أو بقعة حاكم ، يتم انتخابه من بين الذين يرشحون أسماءهم عن طريق القرعة ، وله الحق في أن يحكم لمدة سنة فقط ، ويجوز للرعية محاكمته وإنهاء حكمه قبل إتمام السنة فقط في حالة قيامه بعمليات إجرامية "أي مؤذية جسديا" تخص أفرادا أو جماعات ، على أن يتم حينها انتخاب شخص آخر ليقوم بحكم هذه البقعة لمدة سنة فقط ، ولا يجوز للحاكم التجديد إلا إذا ظهر اسمه بالقرعة لمرة أخرى في صدفة شبه مستحيلة . ثالثا : سأقوم بوضع قانون الحبس –لمدة معينة طبعا- لكل شخص يهاجم أو يحارب أو يهين أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى ، والمسموح هنا فقط الحوار الهادف والكلام المنطقي المدعم بالأدلة والحجج والبراهين ، على أن تنتهي الحوارات دائما بشكل سلمي بالرغم من شدة الاختلاف وعدم الوصول إلى أي اتفاق ، فالهدف من التحاور هو إبراز المعلومات والأفكار وليس الإقناع الحتمي ! رابعا : سأقوم بإلغاء السيارات والدراجات النارية جميعها ، وستكون وسائل النقل جماعية أي "قطارات وطائرات وبواخر وما شابه" ، والهدف من ذلك هو التقليل من الحوادث المميتة التي تكثر في تلك الوسائل الفردية من ناحية ، والتقليل من مشاكل الزحام والتلوث وسوء استغلال الطبيعة والبيئة من ناحية أخرى ، فباستثناء القطارات ووسائل النقل المشابهة ، فإننا سننعم بأراض خضراء مزروعة تمتع الأبصار وتدعمنا بالأكسجين وتمنحنا الشعور بطعم الحياة الحقيقي . خامسا : سأمنع أي امرأة من أن تظهر في العلن عارية ومتبرجة ، بل سيكون على جميع النساء دون تفرقة أن يلبسن ملابس فضفاضة وساترة حيث أنها ستكون ملابس لا تظهر ولا تشف ، فلن يظهر من المرأة إلا وجهها وكفيها ، أما الوجوه فستكون على طبيعتها تماما وستكون حتما أقرب للأنفس وللطبيعة من كونها مبهرجة . والسبب هنا هو فرض احترام المرأة لمشاعر الرجل وعدم التلاعب بها ، ودرءا للفتن التي تلي ظهور المرأة سافرة -بكل تأكيد- والتي منها تعريض الرجال للخيانة ، وللعزوف عن الزواج ، وللتشتت الذهني المستمر . وقد تحدث ديننا الإسلامي العظيم عن فتنة المرأة للرجل ، ولم يقصر علماء الغرب في استيضاح تلك الحقائق مؤخرا بعد دراسات متعمقة ، لكن الأمر بديهي لم يكن بحاجة إلى دراسة تأثيراته المجتمعية الخطيرة والكاسحة . سادسا : لن يكون هناك عري على شاشات التلفاز أو وسائل الإعلام إطلاقا ، لأننا نتحدث عن قوانين يفرضها حاكم واحد بحيث تسري على جميع الدويلات أو البلدان ، وستكون هنالك عقوبات صارمة للمخالفين . سابعا : لن يكون هنالك أية دبابات أو طائرات حربية أو قنابل أو مسدسات أو حتى سيوف ، وسيحظر تصنيع أبسط الأسلحة ، فإذا ما حدثت مشادة بين الناس فلن يجدوا ما سيستخدمونه في العراك سوى سكاكين الطهي أو أرقى الأحذية إن استحبوا ذلك إلى أن تأتيهم الشرطة وتفض النزاع . ثامنا : لن تجدوا أي نوع من الخمور أو المخدرات ، ولا حتى السجائر والشيش ، ولا أظنكم تجهلون الأسباب ! تاسعا : لن يكون هنالك إمكانية لإقامة أي علاقة غير شرعية ، فالعقوبات صارمة ، والرقابة شديدة وغير مسبوقة بشكل يجعل من إقامة مثل هذه العلاقات عملية شبه مستحيلة ، مع وضع قوانين حازمة لتيسير فرص الزواج وإبادة لمصطلح "غلاء المهور" . عاشرا : سيكون النظام الديني السائد هو النظام الإسلامي ، مع إمكانية احتفاظ كل فرد بديانته الخاصة وإقامة شعائره الدينية ضمن إطار عدم المجاهرة بشيء ينهى ديننا الإسلامي عن المجاهرة به ، مثل الإفطار العلني في نهار رمضان .
وبالرغم من أنني لم أنهي جميع النقاط ولكن النقاط التي ذكرتها هي من أبرزها ، وفي الحقيقة لا رغبة لدي في حكم العالم لمجرد تحقيق السيادة على الآخرين ، ولكني في الحقيقة أرغب ومن كل قلبي بأن يقوم رجل ما بحكم العالم بأسره وتطبيق ما تناولته من نقاط ، وأن أكون أحد الرعية التي تتبع هذا النظام ، فليس هنالك نظام أفضل من نظامنا الإسلامي الذي تم تشويه صورته بشدة بين من يجهلون حقيقته من خلال الجماعات الإرهابية التافهة ، أو المخططات الإسرائيلية التي تعمد إلى استخدام أشخاصا يدعون الإسلام ويقومون بأعمال لا يمكن وصفها بأقل من شنيعة ، وذلك لينظر العالم إلى المسلمين باحتقار وكراهية ! ولكن الإسلام أعظم من أن يرتبط بشكل أو بآخر بتلك الجماعات الضالة والمتخلفة .
وفي الختام ونظرا لاستحالة تطبيق مثل هذه الخطط الخيالية الرائعة ، فالأجدر بي أن أصفع نفسي لأستيقظ من هذا الحلم الجميل ، وأعود لعالم الواقع مرة أخرى ، حيث نجد العري والخيانات والحروب والثورات والفساد والمخدرات في كل مكان . ويكفينا أن يحلم كل منا حلمه الخاص لبضعة دقائق فحسب ، فمن الغبي الذي سيضيع عمره بالأحلام !
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية :
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=4367
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=4507
منشور في جريدة الكويتية الإخبارية :
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=4367
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=4507
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق